التحول الرقمي هو الموضوع الأكثر تداولاً، والمفهوم الأعلى تناولاً خلال هذا العَقد من الزمان. وتشير أحدث تقارير تكنولوجيا المعلومات كما ورد في موقع www.idc.com أن الاستثمار المباشر في التحول الرقمي في الفترة من 2016-2020 بلغ حوالي 2 ترليون دولار أي 2000 مليار دولار، شاملاً الشركات والحكومات على مستوى العالم، وأن هذا الرقم بفضل جائحة كورونا قد يتضاعف أكثر من ثلاث مرات ليصل إلى حوالي 6.8 ترليون دولار خلال الفترة 2020-2023 ويبدو واضحاً أن هذه الجائحة قد سرَّعت عملية التحول الرقمي، ليبلغ الاستثمار فيه هذه الأرقام الفلكية.
فما تعريف التحول الرقمي؟
للإجابة عن هذا السؤال، قرأتُ أكثر من 30 كتاباً، وحضرتُ أكثر من برنامج احترافي في أرقى الكليات العلمية، فوجدتُ أن هناك أكثر من 30 تعريفاً للتحول الرقمي، وكلها صحيحة، لأنها تنظر إلى هذا الموضوع من زوايا مختلفة، لكنها ليست تعريفات شاملة.
تعريفي للتحول الرقمي
التحول الرقمي هو عملية مستمرة، تتكامل فيها التكنولوجيا الحديثة مع جميع وظائف ومجالات الأعمال، لتحسين كفاءة العمليات، وزيادة فعالية الأفراد، وإضافة قيمة للأعمال، وبناء مستقبل جديد للمنظمات.
تعريفي الشخصي للتحول الرقمي، وهو ثمرة قراءة أكثر من 30 كتاباً حول هذا الموضوع الذي يعد الأكثر حديثاً عنه خلال هذه العشر السنوات. وقد ذكرتُ بيانات أحدث تقارير تكنولوجيا المعلومات التي أوضحتْ أن الاستثمار في التحول الرقمي يصل إلى ترليونات الدولارات.
إذا تأملتم في التعريف، فستكتشفون أنه احتوى على الكلمات والمصطلحات السبعة التالية:
- عملية مستمرة.
- التكنولوجيا الحديثة.
- جميع وظائف الأعمال.
- كفاءة العمليات.
- فعالية الأفراد.
- إضافة قيمة للأعمال.
- بناء مستقبل جديد للمنظمات.
هذه المصطلحات السبعة سأشرحها تباعاً:
1- التحول الرقمي عملية مستمرة
أقصد بذلك أن التحول الرقمي ليس مشروعاً. لكنه رحلة، والمشروع والرحلة، يتفقان ويختلفان. يتفقان أن كلاً منهما له تاريخ بداية، لكنهما يختلفان أن المشروع له تاريخ نهاية، أما الرحلة فليس لها نهاية، لأنها مرتبطة باستمرار المنظمة، فطالما المنظمة قائمة، فإن رحلة التحول الرقمي لازمة.
إن رحلة التحول الرقمي حتى تكلل بالنجاح، ولا تتعرض للفشل، فإنها تتطلب قادة رقميين يمتلكون المهارات الرقمية، لقيادة التحول الرقمي بكفاءة وفعالية.
وكما أن لكل رحلة متطلباتِها، فإن لرحلة التحول الرقمي أدواتِها.
2- التكنولوجيا الحديثة أو المتقدمة
ويُقصد بها أدوات وتقنيات التحول الرقمي التي تُعَد أذرعه الأساسية، وأركانه الرئيسية. هذه الأدوات يمكن حصرها في التقنيات السبع التالية:
- الذكاء الاصطناعي.
- تحليل البيانات.
- الحوسبة السحابية.
- الأمن السيبراني.
- سلسلة الكُتَل.
- انترنت الأشياء.
- التكنولوجيا الحيوية.
كما توجد أدوات أخرى غير ما ذُكر أعلاه مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد، والدرونز وغيرهما. لكن تلك التقنيات السبع هي أهمها.
3- وظائف “إدارات” التحول الرقمي
إن من أهم وظائف أو إدارات أو مجالات قطاعات التحول الرقمي:
- تكنولوجيا المعلومات.
- الموارد البشرية.
- المالية.
- المبيعات.
- التسويق.
- سلسلة التوريد.
- الإنتاج.
️مجالات “قطاعات” التحول الرقمي
- التجزئة.
- السيارات.
- الصناعة.
- التعليم.
- التكنولوجيا.
- البنوك.
- الصحة.
إن العلاقة بين ما ورد ذكره أعلاه من وظائف ومجالات، هي علاقة جزء بكل، إذ إن كل مجال أو قطاع يحتوي على جميع الوظائف أو الإدارات. ففي مجال أو قطاع تجارة التجزئة مثلاً، توجد جميع الوظائف أو الإدارات، وهكذا لبقية المجالات أو القطاعات.
دعونا الآن، نأخذ عينة من الوظائف الواردة أعلاه، ولتكن مثلاً الموارد البشرية، فكيف سيكون شكل الموارد البشرية عندما تتحول رقمياً؟
لبيان ذلك، سنركز على أهم:
عمليات للموارد البشرية، وهي:
- الاستقطاب والتوظيف.
- تقييم الأداء.
- التعلم والتطور.
- خطة الاستخلاف.
- الرواتب والمكافآت.
- تحليل البيانات.
- إنهاء الخدمات.
إن تطبيق التحول الرقمي في الموارد البشرية، يعني الأتمتة للعمليات المذكورة آنفا من خلال تطبيق أنظمة الموارد البشرية أو رأس المال البشري التي تحتوي على الأدوات ال 7 للتحول الرقمي المذكورة في المقالات السابقة، مثل الحوسبة السحابية، والأمن السيبراني، وتحليل البيانات، وغيرها.
إن من عوائد وفوائد التحول الرقمي في مجال الموارد البشرية ما يلي:
- تنظيم سير العمليات للموارد البشرية
- تقليل الأخطاء البشرية
- توفير الوقت والجهد.
- زيادة الانتاجية
- الحصول على المعلومة المناسبة في الوقت المناسب
- التركيز على التوجهات الاستراتيجية بدلاً من الانشغال بالمهمات اليومية
- رضا الموظفين عن تدريبهم على المهارات الرقمية للتعامل مع الأدوات التكنولوجية.
وهذه دراسة استطلاعية عن التحول الرقمي، وتأثيراته على الوظائف والمهمات والمهارات، نشرتها شركة هايز Hays المتخصصة في تقديم الاستشارات للموارد البشرية، وذلك عام 2019 في موقعها https://www.hays.co.uk
هذه الدراسة، شارك فيها أكثر من 14،500 من موظَّفين، وموظِّفين. وإليكم الخلاصة متمثلة بسرد أهم 7 نتائج لهذه الدراسة:
- 75% يرون أن التحول الرقمي في الموارد البشرية، يمثل أولوية أعلى للمنظمات
- 70% يرون أن وظيفة الموارد البشرية يجب أن تستثمر في أتمتة عملياتها
- 31% يعتقدون أن الإنتاجية ارتفعت، وأن هذه إحدى فوائد التحول الرقمي
- 39% يرون أن نقص المهارات الرقمية، يقلل من الاستفادة من أتمتة العمليات
- 37% يوصون منظماتهم بضرورة الاستثمار في التحول الرقمي
- 41% يرون ضرورة دعم وتدريب الموظفين على المهارات الرقمية
- 36% يرون أن المهام الإدارية قد انخفضت بفضل عملية الأتمتة.
4- كفاءة العمليات
5- فعالية الأفراد
هذا العنصران وردا في تعريف التحول الرقمي وهما ثمرة طبيعية، ونتيجة منطقية للعنصر 3 جميع وظائف الأعمال
فإن تطبيق التحول الرقمي على مستوى جميع وظائف ومجالات الأعمال، سيؤدي بالتأكيد إلى تحسين العمليات التشغيلية، ورفع كفاءتها من خلال عملية الأتمتة لها، كما أنه سيؤدي إلى زيادة الفعالية للأفراد سواء كانوا عملاء داخليين وهم الذين يمثلون مدراء وموظفي المنظمة، أو عملاء خارجيين يمثلون زبائن وموردي المنظمة، خصوصاً حينما يتلقون التدريب اللازم، لاستغلال أدوات التحول الرقمي بالشكل الأمثل.
فإن تطبيق التحول الرقمي على مستوى جميع وظائف ومجالات الأعمال، سيؤدي بالتأكيد إلى تحسين العمليات التشغيلية، ورفع كفاءتها، من خلال عملية الأتمتة لها، كما أنه سيؤدي إلى زيادة الفعالية للأفراد سواء كانوا عملاء داخليين وهم الذين يمثلون مدراء وموظفي المنظمة، أو عملاء خارجيين يمثلون زبائن وموردي المنظمة، خصوصاً حينما يتلقون التدريب اللازم، لاستغلال أدوات التحول الرقمي بالشكل الأمثل.
6- إضافة قيمة لأعمال
ما المقصود أن التحول الرقمي يضيف قيمة للأعمال؟
إضافة قيمة للأعمال يقصد بها في علم الإدارة، التحسين والتطوير في العمليات والأساليب والهياكل والسياسات في المنظمات التي تؤدي إلى تقليل النفقات، وزيادة الإيرادات، وتحسين المنتجات، وتطوير الخدمات. وهذه أحد أهم تأثيرات ومخرجات التحول الرقمي. ولعلكم تلحظون الارتباط الوثيق، والاتصال العميق، بين هذه المتغيرات، فزيادة الإيرادات هو متغير تابع لتحسين المنتجات، وتطوير الخدمات التي ستؤدي حتما إلى رضا العملاء، وهذه تعتبر متغيرات وسيطة، للتحول الرقمي الذي يعتبر متغيرا مستقلاً، فهي معادلة واضحة ملخصها كالتالي:
تحول رقمي (متغير مستقل) نتيجته جودة منتجات وتحسين خدمات (متغير وسيط) ، وثمرتها رضا العملاء (متغير وسيط)، مؤداه زيادة الإيرادات (متغير تابع).
أما العنصر والأخير لتعريف المحمدي للتحول الرقمي وهو:
7- بناء مستقبل جديد للمنظمات
فإنه كذلك ثمرة منطقية، ونتيجة طبيعية للتحول الرقمي، فالتحول ليس هو التغيير.
نعلم جميعاً أن لكل منظمة ماضياً وحاضراً ومستقبلا.
التغيير هو مجرد تحسين وتطوير لماضي المنظمة وحاضرها، أما التحول فهو بناء مستقبل جديد لهذه المنظمة، فالمنظمة قبل التحول الرقمي ليست كما هي بعده، فبسبب التحول الرقمي، نموذج أعمالها يتغير، وأسلوب تعاملها يتبدل، وطريقة إدارتها تختلف بسبب تأثيرات التحول الرقمي، وتطبيق أدواته التكنولوجية.
والمنظمات تختلف مستوياتها بعد التحول الرقمي، من منظمات تمثل المستوى الأعلى في التحول الرقمي، وهي تلك التي تسبب اضطراباً رقمياً لبقية المنظمات، كما فعلت شركة أوبر التي غيَّر نموذجُ أعمال صناعةَ استئاجر السيارات، أو شركة Airbnb التي أحدثت اضطراباً في خدمات الفندقة بتطبيقها لنموذج مختلف تماماً للعمليات في مجال الفندقة.
وهناك منظمات تعتبر مبتدئة في مجال التحول الرقمي وهي تلك التي لا تحدث اضطراباً رقمياً، لكنها تتفوق على منافسيها بتقديم خدمات أفضل بتكاليف أقل ومنها على سبيل المثال شركات توصيل الطلبات.
قيادة التحول الرقمي
سوف تجيب على السؤال الجوهري، والاستفسار المحوري، ألا وهو: كيف يمكن تحقيق وتنفيذ رحلة التحول الرقمي؟ أو بتعبير آخر كيف يمكن قيادة رحلة التحول الرقمي؟ وللإجابة على هذا السؤال، سنواصل المنهج الذي سرنا عليه طوال هذه الرحلة، وهي المنهجية السُباعية.
لذا فإن هذا المقال، سيتناول الخطوات السبع لقيادة التحول الرقمي، ولكل خطوة من هذه الخطوات السبع، وسيلتان أو غايتنان اثنتان.
فلنمضِ معاً مستكشفين الخطوات السبع للمنهجية العلمية لقيادة التحول الرقمي:
الخطوة الأولى:
رسم الرؤية الاستراتيجية للتحول الرقمي:
هذه الرؤية ستساهم في توحيد الجهود الرامية إلى تحقيق التحول الرقمي
بناء وتطوير الاستراتيجية للوصول إلى هذه الرؤية.
هذه الاستراتيجية يجب أن تتناول ثلاثة محاور رئيسية للمنظمة:
- الحاضر الموجود
- المستقبل المنشود
- المسار المقصود.
الخطوة الثانية:
التواصل مع الرؤية
- استغلال جميع الموارد المتاحة و والإمكانات المتوفرة، للتواصل ونشر رؤية التحول الرقمي، واستراتيجيته في جميع مستويات المنظمة من قمة الهرم إلى أسفله
- تطبيق الممارسات العملية التي تتطلبها استراتيجية التحول الرقمي.
الخطوة الثالثة:
تمكين جميع الأفراد في المنظمة للعمل على نفس الرؤية المعلومة، والاستراتيجية المرسومة:
- التخلص من العقبات والمعيقات التي قد تقف حجرة عثرة أمام جهود التحول
- قبول تحمل المخاطر، والأفكار الابتكارية، والممارسات والسياسات التي تتطلبها عملية التحول.
الخطوة الرابعة
تشكيل وتخصيص فريق من كافة إدارات المنظمة:
- لقيادة عملية التحول الرقمي على مستوى المنظمة
- تمكين هذا الفريق، ودعمه من الإدارة العليا، لينجح في تحويل الرؤية إلى واقع، والحلم إلى حقيقة.
الخطوة الخامسة:
التخطيط والتنفيذ لنجاحات سريعة:
- تطبيق مدخل البدء بالأسهل وليس الأصعب، لأن النجاح يولد نجاحا
- تقدير ومكافأة الأفراد الذين نجحوا في تحقيق التحسين المطلوب، والتطوير المرغوب في رحلة التحول.
الخطوة السادسة:
تجميع النجاحات المحققة:
- تعديل الأنظمة والسياسات لضمان استمرار هذه النجاحات المجمعة
- إعادة ربط العمليات بالمشروعات التي تهدف إلى تحقيق التحول الرقمي.
الخطوة السابعة:
إضفاء الطابع المؤسسي على التوجه الجديد نحو التحول الرقمي:
- توثيق الارتباط بين الممارسات العملية، والثقافة المؤسسية
- تطوير الوسائل والأساليب والممارسات والسياسات لضمان قيادة فعالة لرحلة التحول الرقمي.
- تلك هي المنهجية العلمية بخطواتها السبع لقيادة التحول الرقمي بفعالية واحترافية.