شيخ كبير يجلس على مقعد بلاستيكي أمام جامع الحارة ، ينظر الى الاطفال وهم يداعبون كرة مصنوعه من قماش مهتري ، يتقاذفونها يمنه ويسره تتدحرج ببطء حتى تصل الى اقدام ذلك الشيخ ، والاطفال يتفرجون على الشيخ ببلادة والذي بدوره يرفعها الى الاعلى قليلاً ثم يسددها بيسراه بطريقة القشاش او صانع العاب مميز بالتمريرات الطويلة ، فجأة يقفز فتاء صغير نحيل الجسم الى الاعلى ويستقبل الكرة بصدرة ويحولها بإسلوب لاعب كبير محترف في احدى اندية أوروبا ، تستقر الكرة في قعر المرمى ويُذهل جميع الاطفال حتى ذلك الشيخ ابهره هذا الفتى وتحدث الى الطفل الموهوب ” استمر يا ولدي في لعب كرة القدم فأنت تملك موهبة نادرة لايملكها غيرك ، وصدقني اذا كبرت وانت محافظ على مستواك وبهذا المستوى ستكون الافضل في البلاد ” !
هنا إب المحافظة الاجمل تتمركز في وسط اليمن ، لا نعرف متى صيفها ومتى شتائها لجمالها الاخاذ طوال فصول السنة، شعب إب تاريخها الناصع وواجهتها الذي يعطينا حب اكثر لهذة المدينة ، في احدى ايام سنة 81 كان مدرب شعب إب او ” العنيد ” كما يحب جمهوره مناداته يبحث عن مواهب في فئة الشباب لتعزيز الفريق الاول ، اختار شاب صغير يفتقر الى مقومات اللاعب القوي لكن المدرب ركن الى مهارات وفنيات هذا الشاب والذي يدعى إبراهيم الصباحي ، سليل عائلة رياضية وموهبة تتداخل فيها اجمل انوع سحر كرة القدم ، شرع مع الفريق الاول اساسيا من اول مباراة ، لم يعرف الدكة المحبطة التي تغتال الاحلام وتفترس الطموحات وتأخير الابداع ، إبراهيم اختصر المسافات واقتصر الازمان ووضع قدميه في الملعب ثابتا دون أن يتزحزح لمدة 15 عام !
ملعب الكبسي يكتسي اللون الاخضر ويزداد اخضرار محافظة إب مع قدوم مباريات العنيد ، وفي اول مباراة للصباحي مع شعب إب ظل في الليلة السابقة دون نوم وعيونه لاتفارق سقف غرفته ويذهب خياله الى الجمهور الهادر الذي لا يصمت طوال تسعين دقيقة ، كانت احلامه توافق الحقيقة المرسومة في كل ملاعب الجمهورية ، اهلي صنعاء الخصم القادم ، الدوري لا يحسم إلا بعد أن تهزم هذا الفريق المتربع على هرم الاندية لسنوات طويلة، وخلال مسيرة إبراهيم في ملاعب كرة القدم كان يتحول ضد الاهلي الى عازف مبدع يخرج اجمل الالحان من بين قدميه ، مايسترو خط الوسط دون منازع ، يلاعب كرة القدم بسلاسة ويضعها بطريقة ” آسيست ” لزملائة المهاجمين ، السحراني المهاجم بالمايسترو يصبح مرعبا لجمال تلك الكرات المقشرة التي كان يقدمها له !
كرة القدم كالحياة متعتها أنك لا تعرف ماذا يخبئ لك القدر وماهي الاقدار التي تنتظرها وأنت لا تشعر بذلك ، في ملعب الظرافي حقق الشعب نتيجة كبيرة قوامها ثلاثة اهداف مقابل هدف لنادي المجد الفريق الممتع والقوي مع نجم اليمن الاول جمال حمدي في فترة الثمانينات ، بعد المباراة وجد المايسترو نفسه محمولا على احد الجماهير العاشقة لشعب إب والذي يخرج من الملعب وبجانبه مئات الجماهير تسير في الشوارع وتهتف بأسمه ، مجموعة اخرى من الجماهير تتزاحم على باقي نجوم اخضر إب ، تزدحم شوارع صنعاء وتكتظ الجولات واصوات العشاق لاتهداء او تستكين ، مرورا بالتحرير الى باب اليمن ثم عبور شارع تعز حتى الوصول الى جولة المرور المتقاطعة مع شارع الستين ” شارع الرئاسه سابقا ” ، مشهد كهذا تكرر كثيرا مع ابراهيم الصباحي وذلك الجيل الذي لا يتكرر !
عندما كان المايسترو يلعب كرة القدم فكل شئ يصبح في خدمة تراقصه معها ، قدماه تتحرك خطوتين الى الامام وخطوة الى الخلف ، جمال تسديداته تساعداه على العزف برقة في الزاوية تسعين وبفن عند استخلاص الكرة من المنافسين ، بكبرياء عند ارتدى القميص الوطني وبفخر عند الانتصارات الخارجية ، وبتفاؤل وقت الانكسار والخسارة وفي اوقات آخرى بحسرة عند ضياع الحلم ، هكذا هو إبراهيم الصباحي بين الاحلام والحقيقة تفاصيل دقيقة وفرق شاسع عاشها نجمنا في جنبات ملاعب الجمهورية والملاعب الدولية الخارجية التي غرس فيها نجوميته مع المنتخب الوطني وفريقه العنيد شعب إب !
ملاحظه : اغلب تفاصيل الحكاية من خيال الكاتب