ترك العثمانيون في اليمن حين غادروها في العام 1918 وراءهم مطبعة كانت تخرج من تحت آلاتها صحيفة (صنعاء) وهي صحيفة رسمية للجنود والموظفين وتحوي المراسيم والأوامر، ثم تسلمت الدولة اليمنية الجديدة الممثلة بالإمام يحي حميد الدين هذه المطبعة لتصدر عنها صحيفة تدعى (الإيمان) إيذانا بإصدار أول مطبوعة صحفية في اليمن، وذلك في العام 1926م.
في جنوب اليمن كانت صحيفة (صوت الجزيرة) أول صحيفة تصدر هناك في العام 1939 ثم (فتاة الجزيرة) بعدها بعام، وذلك أثناء فترة الاحتلال الانجليزي للجنوب اليمني والذي استمر قرابة قرن وثلاثة عقود.
تَوَاصل إصدار الصحف التي تنادي بمقاومة الاستعمار في الجنوب والتحرر من ظلم الإمامة السلالية في الشمال، وصدرت صحف في الداخل والخارج، ثم انطلقت شرارة ثورة 1962 على الإمامة بعد فشل ثورة 1948 وحركة 1955 الانقلابية، وبعد نجاح الثورة صدرت عددا من الصحف منها (الجمهورية) و(الثورة) و(الأخبار) وجميعها كانت في البداية تصدر من مدينة تعز.
بعد الثورة بعام انطلقت شرارة ثورة في الجنوب في أكتوبر من العام 1963 ونجح الكفاح المسلح ضد الانجليز من تحرير الجنوب في 1967م، وحينها بدأت الصحافة في الصدور فكانت (الثوري)، و(14 أكتوبر)و (الأيام) أهم الصحف هناك.
تطورت الصحافة اليمنية في الشمال والجنوب في فترة وجيزة وبدأت معالم العمل النقابي تتشكل بعد قرابة عقد من استقرار الأوضاع نسبيا، وبدأت ملامح التوجه الوحدوي بين شطري البلاد من النقابات والجمعيات المشتركة بين الشمال والجنوب، كاتحاد الأدباء وجمعية ومنظمة الصحفيين.
كان الصحفيون يفكرون بخلق نقابة موحدة لهم في الشمال والجنوب، وبدأت ملامح ذلك التفكير تتعزز وبدأ التفكير بإنشاء النقابة في العام 1971، وتوج ذلك باتفاق مارس 1976 بين الصحفيين اليمنيين من الشمال والجنوب، وهو الاتفاق الذي قضى بأن يبدأ الصحفيون في جمهورية اليمن الديمقراطية في الجنوب، والصحفيين في الجمهورية العربية اليمنية في الشمال بإنشاء كيانين صحفيين ثم إطلاق اتحاد الصحفيين اليمنين.
انطلق العمل فعلا وتم تأسيس جمعية الصحفيين اليمنيين في صنعاء في أبريل من العام 1976، وتأسيس منظمة الصحفيين اليمنيين الديمقراطيين في عدن بعد أقل من شهر من تأسيس نظيرتها في صنعاء.
مراحل العمل النقابي
استمرت جمعية الصحفيين في الشمال اليمني في تنظيم مؤتمراتها العامة كل عامين، حيث عقدت تلك المؤتمرات في 1978، ثم انعقد المؤتمر الثالث في 1980 وفيه أطلق ميثاق الشرف المهني وتم الإعلان عن تحول الجمعية إلى نقابة بعد أن وافق الرئيس علي عبدالله صالح على مطلب الصحفيين، ثم في 1981 انعقد المؤتمر الرابع تحت ظل مسمى النقابة الجديد، لينعقد بعد ذلك المؤتمر العام الخامس في 1985م والمؤتمر العام السادس في 1987.
كانت تلك المؤتمرات في الشمال وكانت الجهود تبذل دوما لتوحيد النقابة مع المنظمة في الجنوب، وعقدت عدة اتفاقات وتبادل زيارات وحضور متبادل في تلك المؤتمرات.
في الجنوب عقد الصحفيون في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تحت ظل الحكم الاشتراكي أربعة مؤتمرات بينها المؤتمر التأسيسي المتزامن مع تأسيس الجمعية في الشمال، ثم المؤتمر العام الثاني في 1982 بعد مرور ستة أعوام على التأسيس، ثم المؤتمر الثالث في العام 1985 والمؤتمر الرابع بعد انتهاء أحداث يناير 1986 الدموية والتي انفجرت بين قاة الحكم الاشتراكيين وراح ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى، بينهم المئات من الصحفيين والإعلاميين والكتاب والأدباء.
وفي المؤتمر العام الرابع في 1986 تم توقيع اتفاقيات لتبادل زيارات بين صحفيي الشمال والجنوب والسماح لصحفيي الشمال بالدراسة في المعهد الإعلامي في الجنوب والسماح بتوزيع الصحف بين الشطرين.
النقابة الموحدة
في 22 مايو 1990 أعلن عن تحقيق الوحدة اليمنية ووقع القادة السياسيين علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية العربية اليمنية والرئيس علي سالم البيض رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية اتفاق الوحدة بين البلدين وإعلان صنعاء عاصمة سياسية وعدن عاصمة اقتصادية، وإعلان التعددية السياسية والسماح بإنشاء الأحزاب.
بعد أقل من شهر من إعلان دولة الوحدة انعقد أول مؤتمر تأسيسي توحيدي لنقابة الصحفيين اليمنيين في الشمال والجنوب، وأعيد انتخاب الأستاذ عبدالباري طاهر نقيبا للصحفيين بعد أن كان نقيبا لصحفيي الشمال اليمني في الثمانينات، وتمت الانتخابات عبر مندوبين يتم ترشيحهم من المحافظات.
ووفقا لترتيبات دولة الوحدة الجديدة تم انتخاب مجلس مركزي يضم 35 عضوا من صحفيي الشمال والجنوب.
بعد ثلاثة أعوام عاصفة في المرحلة الانتقالية عقب اتفاق الوحدة اليمنية انفجرت الحرب بين الشمال والجنوب في 1994، وتجمدت أعمال النقابة ولم يتم انعقاد أي مؤتمر لها حتى العام 1999 أي بعد تسع سنوات.
قبيل انعقاد المؤتمر شهدت النقابة خلافات عاصفة كادت تودي بهذا الكيان، وذلك بسبب مشاكل العضوية والتدخلات الحزبية في عمل النقابة والدفع بأكبر عدد من المنتمين للأحزاب للإنضواء تحت صفوفها العضوية فيها.
تدخل اتحاد الصحفيين العرب في 1998 وأوفد حاتم زكريا الذي وصل إلى اليمن وعقد جلسات مشاورات مع قيادة الحكومة والأطياف الصحفية المختلفة، وحسم مسألة من هو الصحفي الذي يستحق العضوية وذلك بتعريف أنه من تكون الصحافة مصدر دخله ومعيشته.
وانعقد المؤتمر العام الثاني للنقابة الموحدة في 1999 وتم إقرار النظام الداخلي المعدل وتم الغاء المجلس المركزي وتسميته مجلس النقابة والمكون من النقيب و 12 عضوا بدلا من العدد الكبير في المجلس المركزي.
كما تم الغاء نظام المندوبين والبدء بعقد جمعية عمومية يحضر فيها الصحفيون إلى المؤتمر العام ويشاركوا في صناعة القرار والانتخاب المباشر وذلك من المؤتمر القادم.
بدأت النقابة منذ تلك المرحلة في الحركة بشكل أوسع وأنجح وحصلت اليمن على مقعد نائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب عام 2000 ممثلا بنقيب الصحفيين اليمنيين محبوب علي.
المؤتمر الثالث.. الحدث الاستثنائي
في الرابع والعشرين من فبراير 2004 كانت العاصمة صنعاء على موعد مع مؤتمر عام استنثائي ضم قرابة ألف صحفي من جميع محافظات اليمن.
كان اختيار المندوبين في السابق يتم في فروع النقابة في المحافظات حيث يتم اختيار 10 صحفيين مندوبين لكل 100 وتخضع غالبا تلك الاختيارات للتأثير الحزبي، لكن هذه المرة اختلف الوضع، فقد حضر كل الصحفيين ليشاركوا في صناعة مستقبل نقابتهم واختيار مرشحيهم لمنصب النقيب وأعضاء المجلس بشكل مباشر.
كان الحضور متنوعا بين الحزبي والمستقل والرسمي ومن جميع الأعمار الصحفية، وحصل تطور نوعي في أسلوب الدعاية الانتخابية كرسائل الموبايل وطباعة الملصقات واللافتات، إضافة إلى ولادة الصحافة الالكترونية التي كانت في مقتبل إنشاءها، وصدور عدد كبير من المطبوعات بلغت حينها قرابة 105 مطبوعات.
جرت الانتخابات في 24 فبراير 2004 وتم فرز الأصوات بشكل مباشر حيث اجتمع الصحفيون في قاعة المركز الثقافي وكانت الأصوات تقرأ بالعلن من لجنة الفرز المكونة من اطياف متعددة، بينما الجميع يرصد عدد أصوات كل مرشح.
فاز بمنصب النقيب محبوب علي للمرة الثانية، لكن المفاجأة كانت في أعضاء المجلس، والذي تمكن فيه الصحفيون من تصعيد معظم الأسماء من الطاقات الصجفية الشبابية بتنوع ملفت، ومعظم الأسماء كانت من الشباب الذين يخوضون لأول مرة تجربة الدخول في مجلس نقابة الصحفيين وانتخاباتها.
لم يبق من مجلس النقابة القديم سوى شخصين، هما وكيل نقابة الصحفيين السابق حسن عبدالوارث، والذي استقال بعد مدة وجيزة بسبب الخلاف على توزيع المواقع الإدارية في النقابة، وكذلك ياسين المسعودي والذي أصبح في مؤتمر عام لاحق نقيبا للصحفيين.
عصفت خلافات بالمجلس بسبب توزيع لجان النقابة، وإشكالات أخرى أدت إلى استقالة النقيب بعد عامين، ثم انعقد مؤتمر عام في العام 2006 لانتخاب النقيب ليصعد نصر طه مصطفى نقيبا للصحفيين لمدة عامين.
استمر المجلس في التغير وتجدد الطاقات الشبابية، وانعقد المؤتمر العام الرابع في العام 2009 وحافظ المجلس على شبابه، وتغيرت أمور كثيرة حيث تملكت النقابة مقرا رسميا وفروع كبيرة، وتحول نشاطها بشكل كبير، لكن المؤتمر العام الذي كان يفترض أن ينعقد في 2013 تم تأجيله إلى وقت غير مسمى بسبب ظروف ثورة 21 فبراير 2011 والحرب الأخيرة في اليمن.
اعتبرت الانتخابات التي انعقدت للمجلس في 2004 ثم 2009 بمثابة بادرة راقية كان على بقية النقابات المهنية والأحزاب السياسية الاحتذاء بها، وفعلا اتجهت كثير من النقابات لتحذو حذو نقابة الصحفيين في شفافية انتخاباتها وأدائها.
ساهمت النقابة في الدفاع عن الصحفيين سواء الحاصلين على عضويتها أو غيرهم، وساهمت في إطلاق سراح عدد ممن تم سجنهم، وكذلك رعاية أسر صحفيين ممن ساءت ظروفهم الاقتصادية أو ممن طوردوا أو اعتقلوا، إضافة إلى التطوير المهني من خلال الدورات الدائمة، إضافة إلى امتيازات متعددة يحصل عليها العضو في معاهد وشركات طيران وغيرها.
….
*كتبت هذه المادة بتصرف بناء على المعلومات الواردة في كتاب الأستاذ عبدالحليم سيف الذي يسرد تاريخ النقابة وحررناها لتصبح مادة مختصرة
لا تعليقات