“الخيرُ الأسمى هدفُ البشريةِ جميعًا؛ أخيارِهم وأشرارِهم على السّواء. الأخيارُ يسعون إليه من الطريقِ الصحيح، فيما الأشرارُ يسعون إليه من الطريق الخطأ”. بوئثيوس
لا نحتاجُ لمزيدٍ من التأكيدِ للقول: أنّ الجدلَ المعرفيَّ حالة إيجابية في صورتها العامة مهما كانت، خاصة إذا ما التزمت هذه الحالة أدب الحوار بين الفرقاء. وهي ظاهرة قديمة أساسا وليست وليدة اليوم. ظاهرة قديمة عند الفلاسفة وعند الفقهاء وعند أهل الكلام، ولطالما أفضى هذا الجدل إلى مخرجات إيجابية، وفي صورتها الكلية هي جزء من الصراع الذي لا بدّ منه في حياة الناس، وبحسب البردوني: “إذا لم يكن الإنسانُ مطبوعًا على الصّراع فهو مُرغمٌ عليه”. و “بدء الصّرع يستدعي الصّراعا”.
موضوعُنا الأساسُ هنا هو جدليّة الخطاب السّلفي الراهن، والذي يُعتبر امتدادًا لجدلٍ تاريخيٍ قديم، ممتدٍ منذ حنابلة بغداد فسلفيي الشام، فالوهابية المعاصرة، وصولا إلى حالتنا اليمنية اليوم. نقول: الخطاب السلفي، بما هو منهج وطريقة في المعرفة والتفكير والسلوك، لا بالإشارة إلى الجماعة السلفية المعروفة بذاتها فقط، وإنما إضافة إليهم أيضا سلفيو الإخوان المسلمين وغيرهم ممن لا يرتبط لا بالإخوان ولا بالسلفيين تنظيما.. السلفية كمنهج لا كجماعة.
وسنتناولُ هنا ما لهذا الفكر، وما عليه، بموضوعيّة متناهية، أو ما نراه كذلك، بقصد تعزيز الجوانب الإيجابية ومعالجة الجوانب السلبية، كوجهة نظر لا أكثر.
كتبتُ سابقا في استقراءٍ شاملٍ لمُجمل الفرق الإسلاميّة كصورة واحدة: “السلفيّة ذاكرة الدين، المعتزلة عقله، الفلاسفة لسانه، الصوفية قلبه”. والكلُّ يمثل حالة تكامليّة واحدة إذا ما تم التعاملُ مع هذا التنوع بإيجابية. ومن الخطأ اتهام أية جماعةٍ بالخطل أو دمغها بالنقص. كلُّ جماعة آخذة من الحقيقة بطرف، وكلُّ جماعةٍ لها ما لها، وعليها ما عليها. ويبقى الرهانُ على اتساعِ النظر والتماسِ العذر والقبول بالآخر هو سيد الموقف؛ لأنّ التعصبَ مُفتتحُ كل شر، ولا يتعصّبُ لجماعةٍ أو لفكرةٍ دون أخرى إلا من كان ضيقَ الرؤية محدودَ الأفق. وفي تاريخنا الإسلامي ثمة نماذج متعددة للتسامح وللتعصب معًا، كما هو الشأن أيضا مع بقية الأديان الأخرى. وباستقراء تاريخ التسامح والتعصب نجد أن التعصبَ قد برز بصورةٍ أوضح في فتراتِ التراجع والضعف، فيما بلغ التسامح ذروته في فترات القوة.
ونتوقف أولا عند ما لهؤلاء القوم من إيجابيات، تعزيزا لها، نقول:
1ــ الخطابُ السّلفي في جزءٍ كبيرٍ منه متصالحٌ مع الدولِ القائمة، ولا يصادمُ شرعيّة القائمين عليها، أيا كانت هذه الشرعيات، أي أنه واقعي غير فوضوي، وإن كانت هذه الميزة هي سلبية أيضا في نظر البعض. وقد يقول قائل: إن السلفية الجهادية معروفة بإرهابها ولا يكاد يختلف عليها اثنان. وهذا صحيح؛ ولكن يجب قراءة المشهد وفق مساقاته السياسية وصورته الكلية، بلا اجتزاء أو تحيز. فالقاعدة وداعش، والإرهاب بشكل عام لعبة استخباراتيّة دولية، يديرها اللاعبون الكبار، ببرامجها وأجنداتها وأهدافها، والإرهاب ابتدأ مطلع القرن العشرين يساريا، وانتهى في نهايته يمينيا. وإن يفجر الشاب اليمينيُّ نفسَه اليوم، فقد فعل أخٌ يساريٌ له من قبل. ولي دراسة سابقة منشورة في هذا الموضوع. هذا ليس دفاعًا عن السّلفية التي نتفق ونختلف معها؛ بل تبيانًا للحقيقة كما هي لا أكثر، بكل تجرد وموضوعيّة، مع الإشارة إلى تحمل الخطاب السلفي أيضًا جزءا من هذه الكارثة التي تهدد العالمَ، لكنها ليست كل الأسباب.
2ــ حافظ السّلفيون خلال مسيرتهم التاريخيّة على ما يمكن أن نسميه: “الكتلة الصّلبة” من منظومة النصوص الدينية الحديثية على وجه التحديد، كمرجعية ثانية في التشريع، وعلى أقول العلماء، على الأقل كتراث معرفي له قيمته التاريخية، بصرف النظر عما إذا كان في مجمله صالحا للتعاطي معه اليوم أم لا؟.
3ــ السلفيون وقّافون عند الدليل، محترمون للنص. فالنصُّ الدينيُّ هو المرجعيّة الأولى عندهم، خلافا للشيعة، إذ الفقيه بشخصه هو المرجعيّة الأولى، بينما النص مرجعية ثانية. وهو ما يقرر أن هذا التعاطي سياسي لا ديني..! وإذن فالسلفيون أصدقُ من الشيعة، لاحترامهم نصوصَ الدين، فيما الشيعة متلاعبون بالدين، وتعاطيهم معه سياسي أكثر منه ديني.!
4ــ ساهم السلفيون في إسقاط عشرات الخُرافات التي علقت بالفكر الإسلامي من وقت مبكر، وإن كانت بعضها لا تزال إلى اليوم مُعشعشة في ذهنية البعض منهم، وعند غيرهم أيضا؛ بل إنّ بعضَهم مُصِرًّا عليها. وبعلم الجميع موقفهم من القُبوريات، وكيف تلاشت هذه الخرافة على وجه التحديد في كل منطقة دخلها هذا الفكر؛ علما أن ثمة تقدما فكريا لبعض العناصر السّلفية، لكنه قليل، وقليل جدا، قياسًا إلى ما يزال على تقليديته.
هذا فيما للسلفيّة وفيما يمكن أن يُحسبَ لها؛ أما مَا عليها، فعلى النحو التالي:
1ــ السّلفيّةُ اليوم “سلفيّات”، ولم تعد سلفيّة واحدة، إلى حد أن بعضَ السلفيين يُفسّقون ويبدعون ويكفرون بعضهم بعضا، وأكثر من ذلك إلى حد أنّ بعضَ غُلاة السّلفية لا يُصافحون بعضهم بعضًا داخلَ المسجد، وهم خلفَ إمامٍ واحدٍ في مسجدٍ واحد، ويعبدون ربًّا واحدًا..! وإخواننا السلفيون يعرفون هذا عن قرب أفضل منا.
السّلفية ذاتُ بِنية انشطاريّة بطبيعتها، ما أن تجتمعَ جماعة منهم إلا وتتفرق، في حالة متفردة لا نكادُ نجد لها نظيرًا عند بقية الفرق والجماعات الأخرى. صحيح أنّ الصُّوفية مدارس متعددة؛ لكنها في الغالب لا تُعادي بعضَها بعضًا إلا ما ندر، وتعدد فرقها ومدارسها لا ينطوي على معاداة للمدارس الأخرى في الغالب؛ بل إنَّ أجملَ ما في الفكر الصوفي بشكل عام هو منحاه الإيجابي في قبوله بالآخر المختلف معه، أيا كانت معتقدات هذا الطرف أو أفكاره؛ لهذا تكاد تنعدمُ عندهم ظاهرة التكفير والتفسيق والتبديع التي نجدُها عند إخواننا السلفيين؛ على الرّغم من الضوابط النظرية المتشددة في الفكر السلفي تجاه تكفير الآخرين؛ فثمة ضوابط صَارمة؛ لكن الكثير منهم يتجاوزها، علمًا أنّ الجارودية الهادوية أكثر تكفيرًا من كل الفرق الإسلاميّة، وإذا كان للسلفيين تبديعٌ، فتفسيقٌ، فتكفيرٌ في الدرجة الأخيرة، فإن الجارودية الهادوية تعمدُ إلى التكفيرِ مباشرة، بلا تبديعٍ أو تفسيق..! وهذا موضوعٌ آخر. والملفتُ للنظر أنّ كل الفصائل السّلفية انشطارية بطبعها وتطبعها، من سلفية علمية “قُصورية حد تعبير خصومها” إلى سَلفية حركيّة، إلى سلفيّة جهاديّة..! ولا ندري ما ذا يخبئُ لنا المستقبل من سلفيّة جديدة. هذا التقييم قد يبدو مزعجًا للبعض منهم؛ لكني على ثقة أن ثمة سلفيين من عُقلاء القوم يتفقون معي في هذا التقييم.
2ــ الجهلُ وأنيميا الثقافة
مشكلة الجهل شائعة بين أوساط كل الجماعات، إلا أنها لدى السلفيين تبدو أكثر، غالبية العناصر السّلفية رجالُ دين أكثر منهم رجال علم وثقافة وأدب وعلوم، يندرُ أن تجدَ فيهم أكاديميا في الإدارة أو الفلسفة أو الاجتماع أو اللغات أو الاقتصاد أو اللسانيات. تتمحور اهتماماتهم الثقافية حول الفقه والعقيدة والحديث والتفسير، بمنهجية تقليدية، ومع هذا يتصدرون الفتاوى الدينيّة في كل المجالات، فما يكاد فقيه ما يُسأل في أي مسألة إلا ويجيب، معتبرين فتاواهم وآراءهم دينا وحُكمًا سماويا، ومن خالفه فقد خالف الله. وكأنما مَن حفظَ القرآن الكريم أو جزءًا منه، وحفظَ بعض الأحاديث النبوية قد صار عالما بكل شيء..! وقد أحسن من قال: “الدينُ بدون علم أعمى، والعلم بدون دين كسيح”.
ليس كذلك فقط؛ بل إن كثيرًا منهم يحشرون أنوفهم في كل شاردة وواردة من مسائل الاجتماع والسياسة والصحة والطب، بلا علم في هذه العلوم، وأتذكر احتدامًا جدليًا جرى ذات مرة بيني وبين بعض الفقهاء في مكة المكرمة بداية تفشي وباء كورونا، وقرار الدولة بإغلاق المساجد والأسواق والمحال التجارية، فكان البعضُ ممتعضًا من عدم الأخذ برأي الفقهاء في جواز إغلاق المساجد حد تعبيرهم، مع أن من يقرر إغلاق المساجد في هذه الحالة هو الأمن، وفقًا لتوصياتِ جهة الاختصاص الرسمية، وهي وزارة الصحة، بناء على تقديراتهم الصّحيّة في انتشار هذا الوباء، وليس الفقهاء، إلا أن يريدَ هؤلاء الفقهاء فرض سلطة أخرى موازية لسلطة الدولة، أو تحويل الدين بقيمه الروحية والأخلاقية إلى دين تسلطي.! ولعمري كأن عالم النفس التحليلي “كارل يونج” كان يقصد مثل هؤلاء القوم حين قال عنهم في كتابه “التنقيب في أغوار النفس الإنسانية”: “الأديانُ تعلم الناسَ سلطة تتعارضُ مع سلطة الدولة”. وكأنه يريد دحض مقولة ماركس الشهيرة: “الدين أفيون الشعوب”.
إلى جانب هذا أيضًا ثمة ما يمكن أن نطلقَ عليه “الفقيه المُحرّض” وهو الذي يُطلقُ فتاواه بدون أن يسأله أحد، وحتى إذا سُئل، فهو ليس مخولا قانونا بالإجابة. كذلك الفقيه الذي أفتى بوجوب التفريق بين “أحد الأزواج” من جهة، وزوجته وأبنائه من جهة أخرى، بحكم أنه قد صار مرتدا، كافرا حد قوله. وتخيلوا معي: حين يتشتت شمل أسرة ويتمزق أفرادها وهم في أحسن حال بسبب فتوى هذا الفقيه، ولا أدري هل سأل هذا الفقيه نفسه: ما مصلحة الدين نفسه من تمزقها؟ وهل الله يريدُ ذلك؟ وكم هي المأساة الإنسانية حين تصبح المرأة في طريق وأبناؤها في طريق والزوج أيضا في طريق آخر، وقد كانوا أسرة مجتمعين متحابين..!
أيضًا ما مصلحة ذلك الفقيه الذي يحرضُ من فوق منبره أن خروج فلان أو علان من الناس مع زوجته إلى أحد المطاعم أو المقاهي من المنكرات؟ وأن إقامة حفلة غنائية تقيمها جهة ما منكر كبير؟! وفقيه آخر يُفتي في خطبة الجمعة أن السماح للبنت بالالتحاق بكلية الطب للدراسة مع زملائها الطلاب نقصانٌ في الدين وفي المروءة..!
إنَّ الطرفَ الآخر من المتطرفين المناوئين لا للفقهاء فحسب؛ بل للدين يستمدُّ شهرته وبقاءه من هذا الخطاب، ومن هذا التفكير، بتخادم غير مباشر بين الطرفين، لأن “أقصى اليمين في خدمة أقصى اليسار” كما يقول لينين. وقد صدق أحد الفلاسفة حين قال: “سيكون الملحدون في أبأسِ حال إذا اختفى المتدينون”.!
لدى غالبية السلفيين خلط في المفاهيم، فلا يفرقون بين مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة مع مبدأ النصيحة من جهة أخرى. الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتضي سلطة رسمية تقوم بذلك، من حقها أن تأمر وأن تنهى، وليس أي شخصٍ آخر. للناس فقط النصيحة بشروطها وآدابها؛ أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فللدولة وحدها، وإلا عمّت الفوضى حياةَ الناس الخاصة والعامة؛ لأن المنكر أمرٌ نسبي، يختلف من شخص إلى آخر. فما هو في نظرك منكر هو في نظر الآخر غير منكر، وهكذا.
أيضًا لدى بعض الفقهاء تعطشٌ للدماء بصورة جُنونيّة، ولو توقفنا أمام نصوص وفتاوى بعض الفقهاء لوجدناها تعكس توحشًا نفسيا رهيبا، هذا التوحش هو نتاج أزمة نفسية واختلال عصبي في المقام الأول، يسلبُ المصابَ توازنه النفسي، وهو يعيش حالة هيجان داخلي حاد يتجسد على هيئة سلوك غير متزن، يظهر بشكل لا إرادي في القسم الشُّعوري من الذهن، متواجها مع “الأنا”، وكأن دين الله لن يستقيم إلا إذا تم فصل رأس فلان عن جسده..! وكأن شؤون الدنيا والدين لن تصلح إلا إذا تم التفريق بين فلان وزوجه..! وكأن الدولة لن تستقيم والحضارة لن تأتي إلا إذا لزمت النساء بيوتهن، ولم يخرجن..! هؤلاء يقدمون نسخة مشوهة من دين الله، أو بالأصح من تصوراتهم هم، معتبرين إياها دينا. الشريعة كل الشريعة عندهم هي الحدود، والسيرة النبوية كلها هي الغزوات فقط..!
فقهاء غارقون إلى الأذقان في تفاصيلَ وخلافاتٍ صغيرة لا تقيم حياة ولا تبني عدلا، ومع هذا يرفعون عقيرتهم بأن المسألة الفلانية قد أجمع عليها العلماء، وأن تلك المسألة خطيرةٌ، وتمس معلومًا من الدين بالضرورة، وأن فلانا في الجنة، وفلانا في النار، مع أنه لا توجد مسألة من المسائل اتفق عليها الفقهاء، ودعوى الإجماع لا تعدو أن تكونَ فرية يزايدُ بها مدعو الفقه لا أكثر. والعجيبُ أن لدى هؤلاء ثقة بجهلهم تفوق ثقة علماء الطبيعيات بمعادلاتهم العلمية.
الفقيه المشتبك مع الجمهور يفسد أكثر مما يُصلح، ويفرق أكثر مما يوحد، وبعضٌ ممن يعتبرون أنفسهم دعاةً ووعاظا في حاجةٍ لإصلاحِ أنفسهم أكثر من بعض المستهدفين بالدعوة، وأولى خُطوات الإصلاح الكف عن التدخل في شؤون الآخرين، وعدم التحريض على الأفراد أو الهيئات، والتوقف عن التكفير والتفسيق والتبديع، حتى لا يتحولوا إلى كهنةٍ يراقبون عقائدَ الناس. وثانيها توسيع مداركهم واطلاعهم على ما لدى الآخرين، والاقتراب منهم للتعارف عن قرب، وعدم ممارسة حالة من الطهرانية الدينية تجاههم، إذ أن هناك من يمارس استعلاء دينيا على الخلق، كما يُمارسُ الحوثيون استعلاء عرقيا على الآخرين.! وأستحضر هنا جملة لعالم الفيزياء الفيلسوف بول دافيز، تقول: “إن العالمَ سوف يصبح سيئا بما فيه الكفاية حين يبذل كثير من المؤمنين جهدهم لنشر إيمانهم”.
إلى جانب ذلك يحتاجون أيضا إلى القراءة المتعددة والاطلاع على مختلف الثقافات والأفكار والفلسفات، بعيدا عما أسماه القاضي محمد بن إسماعيل العمراني رحمه الله “القراءة العوراء”..! وما أكثر القراءات العُور، لدى الكثير..!
فَهِمَ هذا الفقيه أو ذاك نصوصًا دينية على طريقته، فخرج على الناس شاهرًا تكفيره وتفسيقه، وكأنه لم يقرأ قوله تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ) الإسراء: 53. وكأنه لم يتوقف عند قوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فصلت: 34. وكأن هذه الآية الكريمة لا تعنيه: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ) الحج: 17. وكأنه لم يفهم قوله تعالى: (ليْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) النساء: 123. إن هذه الآيات القرآنية وحدها كافية لضبط سلوكيات الناس وتقويم حياتهم، بله عن بقية الآيات والأحاديث النبوية الشريفة.
في الواقع، ورغم بعض الجوانب الإيجابيّة الأخرى في الخطاب السلفي التي ذكرناها ابتداء، إلا أنه واقعٌ في أزمة “جهل مركب” وفي تهويماتٍ لا تقيمُ حقا ولا تدفع باطلا، وإن توهّم بعضُهم أنّ ما يقومون به إنجازٌ، وإنجازٌ عظيم..! ولو استخطر هؤلاء الفقهاء الجنايات الكبرى التي اجترحها الحوثيون بحق الوطن كما يستخطرون مسائلَ الغناء وشَعرَ المرأة لكان الحال أفضل. هناك فقهاء لم نسمع لهم كلمة واحدة أو تصريحًا أو خطبة منذ اكتسح الحوثي صنعاء، وهم يعيشون في الخارج بأمنٍ وأمان، ويتقاضون رواتبَهم من الدولة، على خطورة الجناية الحوثية ضد الوطن، التزموا صمت الكهوف، في الوقت الذي كان يجبُ عليهم أن تعلوَ أصواتُهم وتصدح بقضية الشعب المصيرية، مع أنهم ملأوا الدنيا ضجيجا وصراخا قبل ذلك في مسائل لا تستحق الالتفات إليها.
أخيرًا.. ما أحوجنا جميعًا إلى خطاب وسطي معتدل، قابل بالآخر مهما كان الاختلاف معه، وإلى ضبط موازين تفكيرنا، لنحدد الأهم من المهم، والأولويات من الثانويات، وقضايا الوطن من قضايا الأفراد.
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)
لا تعليقات